الصلاة الأكبرية لابن عربي
سيدي محيي الدين محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي الأندلسي (ت: 638 هـ)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ أَكْمَلِ مَخْلُوقَاتِكَ وَسَيِّدِ أَهْلِ أَرْضِكَ وَأَهْلِ سَمَاوَاتِكَ ، النُّورِ الأَعْظَمِ والْكَنْزِ الْمُطَلْسَمِ ، والْجَوْهَرِ الْفَرْدِ والسِّرِّ الْمُمْتَدِّ ، الَّذِي لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ مَنْطُوقٌ وَلاَ شِبْهٌ مَخْلُوقٌ ، وارْضَ عَنْ خَلِيفَتِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ جِنْسِ عالَمِ الإنْسَانِ ، الرُّوحِ الْمُتَجَسِّدِ وَالْفَرْدِ الْمُتَعَدِّدِ ، حُجَّةِ اللَّهِ فِي الأَقْضِيَةِ وَعُمْدَةِ اللَّه فِي الأَمْضِيَةِ ، مَحَلِّ نَظَرِ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ مُنَفِّذِ أَحْكَامِهِ بَيْنَهُمْ بِصِدْقِهِ ، الْمُمِدِّ لِلْعَوَالِمِ بِرُوحَانِيَّتِهِ الْمُفِيضِ عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِ نُورَانِيَّتِهِ ، مَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَى صُورَتِهِ وَأَشْهَدَهُ أَرْوَاحَ مَلاَئِكَتِهِ ، وَخَصَّصَهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ أَمَان ، فَهُوَ قُطْبُ دائِرَةِ الْوُجُودِ وَمَحَلُّ السَّمْعِ والشُّهُودِ ؛ فَلاَ تَتَحَرَّكُ ذَرَّةٌ فِي الْكَوْنِ إلاَّ بِعِلْمِهِ وَلاَ تَسْكُنُ إلاَّ بِحُكْمِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَظْهَرُ الْحَقِّ وَمَعْدِنُ الصِّدْقِ .
اللَّهُمَّ بَلِّغْ سَلاَمِي إلَيْهِ وَأَوْقِفْنِي بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَأَفِضْ عَلَيَّ مِنْ مَدَدِهِ واحْرُسْنِي بِعُدَدِهِ ، وانْفُخْ فِيَّ مِنْ رُوحِهِ كَيْ أَحْيَا بِرُوْحِهِ ، وَلِأَشْهَدَ حَقِيقَتِي عَلَى التَّفْصِيلِ فَأَعْرِفَ بِذَلِكَ الْكَثِيرَ والْقَلِيلَ ، وَأَرَى عَوَالِمِي الْغَيْبِيَّةَ تَتَجَلَّى بِصُوَرِي الرُّوحَانِيَّةِ عَلَى اخْتِلاَفِ الْمَظَاهِرِ لِأَجْمَعَ بَيْنَ الأَوَّلِ والآخِرِ والْبَاطِنِ والظَاهِرِ ؛ فَأَكُونَ مَعَ اللهِ آلِهٍ والِه بَيْنَ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِه ، لَيْسَ لِي مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَعْلُومٌ وَلاَ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ، فَأَعْبُدَهُ بِهِ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ بِلاَ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ ؛ بَلْ بِحَوْلِ وَقُوَّةِ ذِي الْجَلاَلِ والإِكْرَامِ .
اللَّهُمَّ يَا جامِعَ النّاسِ لِيَوْمٍ لاَ رَيْبَ فِيهِ اجْمَعْنِي بِهِ وَعَلَيْهِ وَفِيهِ حَتَّى لاَ أُفَارِقَهُ فِي الدَّارَيْنِ وَلاَ أَنْفَصِلَ عَنْهُ فِي الْحَالَيْنِ ؛ بَلْ أَكُونُ كَأَنِّي إيّاهُ فِي كُلِّ أَمْرٍ تَوَلاّهُ مِنْ طَرِيقِ الاِتِّبَاعِ والاِنْتِفَاعِ لاَ مِنْ طَرِيقِ الْمُمَاثَلَةِ والاِرْتِفَاعِ ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى الْمُسْتَجَابَةِ أَنْ تُبَلِّغَنِي ذَلِكَ مِنَّةً مُسْتَطَابَةً ، وَلاَ تَرُدَّنِي مِنْكَ خائِب وَلاَ مِمَّنْ لَكَ نائِب ؛ فَإنَّكَ الْوَاجِدُ الْكُرِيمُ وَأَنَا الْعَبْدُ الْعَدِيمُ ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين .